إذا كان ظنك يسيء إلى عقلك وبلدك حين يعتبر مصر خالية من حرية التعبير بلا مقصلة متربصة بعنقك الضعيف ، وبلا قوانين مطاطة في ظاهرها بياض حمامة السلام وباطنها لزوجة بيضتها ، وبلا سجّان يعتبر توقيفك على أي ذمة كعلاوة هبطت عليه فيزج بمؤخرتك إلى غياهبه بلا أي ذمة ، فأنصحك من موقع المُجرب أن تعيد (تستيف) أمتعتك ومغادرة أرضنا فوراً ، لا من حيث كونك ضيف ثقيل لا سمح الله ، ولكن من واقع نكرانك للجميل ، جميل ممارستك اليومية لتلك الحرية بلا أي رقيب ، وبلا أية ضريبة واجبة السداد ، أتوقع منك هذا الوجه ( المُسبَهِل ) ... طب عيني في عينك كده يا مفتري .
فباستعراض خاطف لأماكن التمركز والتمترس للتظاهر و التعبير و الاحتجاج والصراخ ضد الحكومة أو للحكومة على السواء ، تتجلى لك تلك المناطق شديدة المحدودية ، سواء سلالم نقابة الصحفيين أو دار القضاء أو أية نقابات أخرى تحت الحراسة أو فوقها ، أمام المجالس النيابية ، وحتى في قلب ميادين مصر التي تتغير معالمها يومياً ولا ادري إن كان هذا التغيير بفعل الأمن (ليتوه) المتظاهر قبل وصوله للمعمعة أم أنها مجرد عوامل التعرية ، فوصولك لتلك الدرجات و هذه الميادين إنجاز عظيم في حد ذاته ، نظراً للتضييق والمضايقات التي تعترض سكة كل حالم بتظاهر مريح مع خدمة التوصيل المنزلي التي تتكفل بها أجهزة لا نعلم عن كنهها سوى أنها سيادية ليست حيادية منتسبيها يتخللون التظاهرات كما الجواسيس، طبعا توصيلك لمنزلك بعد زيارة فاحصة لديانتك السياسية ، ماحصة لإيمانك الحزبي في إحدى مقارها المحصنة ضد الصراخ للاستغاثة . المهم انك في غالب الأحوال إذا تلطفت في اللفظ ، فأنت هالك لا محالة مضروب حتى الثمالة .مهان أهلك وذريتك والزمالة .
من قال لك إن الصورة بتلك القتامة ؟ لما لا تنظر إلى النصف الملآن . لأنه مع هذه المعاناة التي تجعل الفرد الغلبان منّا لا يفكر في حك انفه عند غضبه ناهيك عن التجمهر ، فهناك أيضاَ مكان وحيد فريد في توحده وتفرده باحترام آدميتك عند تنفيس غيظك ، أمين على لسانك كأنه جُب يوسف ، وبطن حوت يونس ، لن يشي بك عند الباب العالي ، وأبداً لا يُعِد تقارير( الخزوقة ) ولأنك قد تجلس الآن بمقربة منه ، تمر به غير عابئ بقدره ونعمائه ، تزدريه وتنفيه من أولويات احتراماتك . ألومك وبشده على تجاهله واحتقاره على رغم جلل خدماته وفضله عليك .
ألا تتسابق قدماك إلى هذا المكان يوميا ولأكثر من مره ؟ ألا تسعد براحة نفسية عميقة بعد أدائك لسنة خلقك فيه ؟ ألم تتساءل مراراً وتكراراً عن هذا العبقري الذي لحن تلك الجملة ( دخوله مش زي خروجه )التي تطرب لها كلما هفهفت روحك بين جدرانه ؟ كم من مرة اختليت ونفسك فيه ؟ كم مرة تلقفت فكرة ذهبية من جراء جلوسك مرتاحاَ هانئاً تبلورت لخطوة هامة في حياتك وأصل ولادتها فيه ؟ ألم تطأه قدماك في ميدان عبد المنعم رياض ولعنت ملة الحكومة واللي حاكمينها لمنظره المنفر من التصريف حتى في وضع الوقوف ؟ هل تجرأ احدهم واستوقفك بعد انتهائك إلا لربع جنيه يتيم ثمناَ لنظافة أحشائك وحفيظتك ؟
نعم انه وللحق بيت الراحة – التواليت لمرتادي السيتي ستارز والكبانيه لقاطني عزبة النخل وأخواتها – فمهما ضاقت عليك أرضه وأركانه ، إلا أن رحابة الكتابة على جدرانه توفر لك مساحة وفيرة من الحرية معدومة السقف والخطوط بألوانها الحمرا ، تجربة استحقت منـّـي اقتراب ودنو أكثر وأكثر ، فخضت فيها عن طيب نفس متسلحاً بكثير من القناعة وقليل من الكمامات والبرفانات ، فصرت نزيل على حمامات الشوارع والمساجد والمقاهي ، تنفرج أساريري لرؤية يافطة مكتوب عليها ( حمام ) ادخل واحدا تلو الآخر حاملاً موبايلي للتصوير ومسجلاً ما تيسر من ملاحظاتي عن المكتوب ، محللاً بأخذ عينة من المتنفس به على الجدران . وعجباً لما رأيت وقرأت ، لم يعد الالتزام مقتصر على المشوار التقليدي اياه ، من البيت للجامع أو العكس ، وإنما تضمنه الإمضاء على الجدارية التي تعد بمثابة منشورات محظورة كالتي تم تداولها إبان الثورة بين ضباطها وأحرارها . والذي ينقص المشهد كي تكتمل صورة هذا الانقلاب ملصق على باب الحمام من الخارج يدعوك ( أيها الرفيق وقع بيان الثورة خلف الباب ) ... حِكَم وأمثال تلاقي ، نكت فاحشة موجود ، سب وشتيمة في الخلق من الكبير أوي لأصغر عضو مجلس محلي .. ومع الاختلاف البيّن في الأقوال والعبارات ، إلا أنها تعبر عن شعب ضاق بأوضاعه فاختار الخلاء للاختلاء والهرب.
وللحق والتاريخ أقول أن المصري دائما سبّاق إلى ابتكار ما يهون به معيشته الضنك ، سواء بإطلاق النكت الساخرة من نفسه وحاله مرورا بالمداخلات الهوائية في برامج التوك شو (رئة المجتمع !! ) وحتى التعليقات الظاهرة للعيان على التكاتك(جمع تك تك ) في شوارعنا وأخيرا أبواب المراحيض ... وسائل إن اختلفت في الشكل والمضمون تشابهت في قلة الحيلة والتحايل والسهوكة بعيدة كل البعد عن المواجهة المباشرة التي نـُسفت من ثقافتنا إلا من رحم ربي وطالته يد العدالة ( الحكومة بعد التجميل ) وتدل على وعي عميق بالمرض وسببه وعلاجه أيضا لدرجة انك قد تخمن أن صاحب هذا الرأي أو ذاك ليس مواطناً عادياً .
وتزامناً مع موجة البرودة القادمة التي تنم عن انكماش حاد في تداول المسكنات الاجتماعية وعلى رأسها تدجين الدستور المناوئة وإقالة المشاغب وتسيد السيد البدوي وعربدته ودخول الإخوان وخروج البرادعي من أدمغة المصريين وتحضير الأمير والتكميم للتمكين ... تزامناً مع كل ما سلف أدعو المصريين جميعاً على اختلاف انتماءاتهم وأيدلوجياتهم إلى النزوح للمراحيض العامة والخاصة والمخصخصة للتعبير عن شجبهم وتنديدهم والتهديد بالاعتصام واللجوء إلى القاعدة والجلوس عليها والإضراب عن الإخراج لحين تحقيق مطلبهم الرئيسي ... الشفافية ( ولوني لا اعرف لها معنى ليومنا هذا لكثرة مترادفاتها )
فكر ملياً تجد الحمام خير ممثل للنزاهة والشفافية ، لن يحد كلامك بحدود الصفحات والأعمدة ، ولن يسقـِّـف آرائك بوقت البرنامج والفواصل الإعلانية ، منتهى الحرية وطلاقة الأحشاء ..
والصورة خير دليل على صدق التأويل (طبعا لا تصلح كل الصور للنشر وإلا صرت واحدا من كتاب باب حمام أمن الدولة )